قد يبدو مصطلح “الإخفاء القسري” كمصطلح قانوني معقد وأعلى من مستوى فهم البعض – ولكن القصة الإنسانية الماثلة وراءه هي قصة بسيطة. إذ يختفي الناس بكل معنى الكلمة من حياة ذويهم وأحبتهم ومجتمعاتهم عندما يختطفهم المسؤولون من الشارع أو المنزل ثم ينكرون وجود هؤلاء الأشخاص في عهدتهم أو يرفضون الكشف من أماكن تواجدهم. وهذه ممارسة غير قانونية.
وغالبا ما لا يتم الإفراج عن الأشخاص أبدا ويظل مصيرهم مجهولا. ويتكرر تعرض الضحايا للتعذيب ويعيشون في ظل خوف دائم من التعرض للقتل. فهم يعلمون أن عائلاتهم لا تعرف أماكن تواجدهم وأنه من المرجح ألا يأتي أحد لمساعدتهم. وحتى لو أفلتوا من القتل واُفرج عنهم في نهاية المطاف، فسوف تلازمهم آثار محنتهم الجسدية والنفسية على الدوام.
ولقد أصبنا بعض النجاح خلال العقد الأخير. فلقد هللنا في عام 2010 لصدور الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، كما يقوم مئات الآلاف من مؤازري منظمة العفو الدولية سنويا بكتابة رسائل إلى عائلات الضحايا أو التماسات موجهة إلى الحكومات.
يتكرر استخدام الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب بين أفراد المجتمع. إذ لا يقتصر الشعور بانعدام الأمن والخوف الناجم عن الاختفاء القسري على أقارب الضحايا، بل يطال التجمعات المحلية والمجتمع بأكمله.
ولقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية. فبعد أن كان اللجوء إليه يقتصر على أنظمة الحكم العسكري الديكتاتورية، ها نحن الآن نرى حالات الاختفاء القسري تحدث على هامش الكثير من النزاعات الداخلية لا سيما في معرض محاولات قمع الخصوم السياسيين.
ويظهر أن المدافعين عن حقوق الإنسان وأقارب الضحايا والشهود ومحاميّ الدفاع قد أصبحوا هدفا لهذه الممارسة إلى جانب استهداف المستضعفين من قبيل الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة.
ما الذي تدعو منظمة العفو الدولية إليه؟
- جراء التحقيق ومقاضاة المسؤولين في محاكمات عادلة.
- صياغة تشريع يجعل الاتفاقية قانوناً وطنياً.
- تنفيذ الاتفاقية الدولية وقبول اختصاص اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري.
- الوفاء بواجباتها بموجب القانون الدولي
- ضمان حصول الناجين والأشخاص الذين فقدوا أحباءهم الحق في جبر الضرر، ويشمل ذلك: التعويض، وإعادة التأهيل، ورد الاعتبار، وضمان ألا تقع حوادث الاختفاء مرة أخرى.
مأزق التأرجح بين اليقين وعدم اليقين
يمر أفراد عائلة ضحايا الاختفاء القسري وأصدقاؤهم بألم نفسي يقتلهم ببطء جراء عدم معرفتهم ما إذا كانت ابنائهم أو بناتهم أو أمهاتهم أو آبائهم لا زالوا على قيد الحياة أم لا، أو جراء عدم معرفة المكان الذي يُحتجزوا فيه أو كيف تتم معاملتهم. وقد يعرّض البحث عن الحقيقة جميع أفراد العائلة لخطر عظيم.
وغالبا ما تقود النساء النضال من أجل معرفة ماذا جرى في الدقائق والأيام والسنوات التي مرت على الضحية منذ اختفائها – الأمر الذي يعرضهم لخطر الترهيب والملاحقة والعنف.
وعلاوة على ذلك كله، فعندما يتعرض أحد أركان العائلة للاختطاف، من الممكن أن تتدهور أوضاعها المالية. وغالبا ما يكون الشخص المختفي هو وسيلة كسب رزقها المعتادة أو الوحيد القادر على جني المحصول أو إدارة شؤون الأسرة. ويزداد الوضع سوءا بفعل بعض القوانين التي لا تتيح للمنتفعين استلام الراتب التقاعدي للضحية أو غير ذلك من أشكال المنافع الاجتماعية دون إبراز شهادة وفاة للشخص المعني.
وعليه، يظل ذوو الشخص المختفي يعيشون في مأزق جراء عدم معرفتهم بإمكانية عودته من عدمها.
اتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء
دخلت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري حيز التنفيذ في عام 2010. وتهدف إلى منع الاختفاء القسري وكشف تفاصيل حقيقة ما جرى والحرص على حصول الناجين وعائلات الضحايا على العدالة.
وتُعد هذه الاتفاقية واحدة من أقوى معاهدات حقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة.
الإخفاء ألقسري في الجزائر
لا يزال الإرث الثقيل للنزاع الداخلي الذي اجتاح البلاد في تسعينيات القرن الماضي وأطلق شرارته إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في 1992، التي فازت به “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، يلقي بظلاله الثقيلة على المجتمع الجزائري. فقد أصدرت السلطات سلسلة من مراسيم العفو حرمت الضحايا وعائلاتهم من حقوقهم في معرفة الحقيقة والتماس العدالة. وما انفك التقاعس المستمر من جانب السلطات الجزائرية عن التصدي لإفلات مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من العقاب، عما اقترفت أيديهم من جرائم إبان الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، يقوِّض التوصل إلى مصالحة حقيقية وإلى سلم دائم في البلاد.