الأردن: ضعوا حدًا لحملة القمع القاسية للفعاليات المؤيدة للفلسطينيين

قالت منظمة العفو الدولية إنه يتعين على السلطات الأردنية وضع حد لحملة القمع الواسعة التي شهدت اعتقال مئات الأشخاص على أيدي قوات الأمن وعناصر المخابرات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 بسبب تعبيرهم عن دعمهم لحقوق الفلسطينيين في غزة أو انتقادهم سياسات الحكومة تجاه إسرائيل.

فقد اعتُقل ما لا يقل عن 1000 شخص – من المتظاهرين والمارّة – خلال الاحتجاجات المؤيدة لغزة في العاصمة الأردنية عمَّان في غضون شهر واحد بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. واعتُقل ما لا يقل عن خمسة آخرين بين نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2023، ووُجّهت إليهم تُهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد الصادر في أغسطس/آب 2023 بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعبّر عن مشاعر مؤيدة للفلسطينيين، أو تنتقد معاهدات السلام أو الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها السلطات مع إسرائيل، أو تدعو إلى إضرابات عامة واحتجاجات.

وقالت ديانا سمعان، الباحثة في الشأن الأردني في منظمة العفو الدولية: “لا ينبغي أن يتعرض أي شخص للاعتقال أو المحاكمة لمجرد تعبيره عن آرائه حول الحرب في غزة أو انتقاد سياسات حكومته. شنت السلطات الأردنية حملة قمعية، بالاستعانة بتشريعات شديدة التقييد مثل قانون الجرائم الإلكترونية، للقضاء على ما تبقى من معالم الحرية والمعارضة. إنها توجه بشكل معيب تهمًا غامضة ضد الأفراد لمجرد ممارستهم حقوقهم المشروعة في حرية التعبير والتجمع”.

“يتعين على السلطات الأردنية أن تُفرج فورًا عن جميع الذين اعتُقلوا تعسفًا و/أو حوكموا لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، وأن تُسقط التهم الموجهة إليهم. كما يجب عليها تعديل قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023 بما يتوافق مع المعايير الدولية”.

يستخدم قانون الجرائم الإلكترونية الأردني مصطلحات مبهمة وغير دقيقة وفضفاضة، ويجرّم أي خطاب قد يسيء إلى مسؤولي إنفاذ القانون، ويحد من إمكانية إخفاء الهوية على الإنترنت.

لا ينبغي أن يتعرض أي شخص للاعتقال أو المحاكمة لمجرد تعبيره عن آرائه حول الحرب في غزة أو انتقاد سياسات حكومته

ديانا سمعان، منظمة العفو الدولية

وقد وثقت منظمة العفو الدولية حالات ستة نشطاء سياسيين، وجهت تهم إلى خمسة منهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية. وأجرت المنظمة مقابلات مع ثلاثة محامين وغيرهم ممن لديهم معرفة بالقضايا، وراجعت لوائح الاتهام وغيرها من وثائق المحكمة حيثما كانت متاحة، فضلًا عن منشورات المدعى عليهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع محاميَيْن يمثلان المحتجين وأفراد آخرين قُبض عليهم في محيط الاحتجاجات. ووُجهت إلى معظمهم تهم تتعلق حصرًا بممارسة حقهم في حرية التجمع السلمي. وأعيد القبض على العديد ممن أفرجت عنهم المحكمة على ذمة المحاكمة، وأخضعوا للاحتجاز الإداري وأجبرهم المحافظ على التعهد بعدم المشاركة في الاحتجاجات كشرط للإفراج عنهم.

كما تحقق مختبر أدلة الأزمات التابع للمنظمة من مقاطع فيديو تُظهر اعتقال أفراد، وراجع تصريحات وسائل الإعلام والسلطات الأردنية حول حملة القمع المستمرة.

المحاكمة على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي

أبلغ ثلاثة محامين منظمة العفو الدولية أنه، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اعتقلت قوات الأمن الأردنية ما لا يقل عن ستة نشطاء سياسيين بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي يعبّرون فيها عن مشاعر مؤيدة للفلسطينيين أو ينتقدون سياسات السلطات تجاه إسرائيل، ويدعون إلى إضرابات عامة ومظاهرات.

ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، استدعى المدعي العام أيمن صندوقة، ناشط سياسي وأستاذ في الرياضيات، لاستجوابه فيما يتعلق بدعوته على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تنفيذ إضراب عام. ووفقًا لمحاميه، نشر أيمن صندوقة أيضًا رسالة موجهة إلى الملك في أكتوبر/تشرين الأول انتقد فيها العلاقات الدبلوماسية الأردنية-الإسرائيلية. واحتُجز لمدة شهر للتحقيق، ثمّ أُطلق سراحه في انتظار المحاكمة. وفي 24 يناير/كانون الثاني 2024، حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بتهمة “ذم هيئة رسمية”، لكنه استأنف هذا الحكم.

وأثناء احتجاز أيمن صندوقة للتحقيق، استدعاه مدعي عام محكمة أمن الدولة ووجه إليه اتهامات بموجب قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية. ومحكمة أمن الدولة هي محكمة عسكرية لا تفي بالمعايير الدولية للحياد والاستقلال، وغالبًا ما تُستخدم لمحاكمة المدنيين في انتهاك للقانون الدولي. وأيمن صندوقة محتجز حاليًا في عهدة أمن الدولة في انتظار المحاكمة.

وقال متظاهر اعتُقل خلال الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في ديسمبر/كانون الأول 2023 لترديده شعارات مناهضة للحكومة لمنظمة العفو الدولية إنَّ المدعي العام اتهمه بموجب قانون الجرائم الإلكترونية بعد أن تم تداول الهتافات على نطاق واسع عبر الإنترنت. واحتُجز لمدة أربعة أيام قبل أن يُطلق سراحه. ولا تزال محاكمته جارية أمام محكمة مدنية في عمّان.

وقد اطلعت منظمة العفو الدولية على وثائق المحكمة المتعلقة بثلاث قضايا أخرى لأفراد حوكموا في محاكم مدنية بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وأدرجت الوثائق تهمًا تشمل “التحريض على الفتن والنعرات وبث خطاب الكراهية” و”إرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات، تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير” و”ذم هيئة رسمية” و”نشر أسماء أو معلومات أو أخبار تتعلق بمسؤولي إنفاذ القانون” بموجب قانون الجرائم الإلكترونية. وأُطلق سراح أحدهم في يناير/كانون الثاني 2024 بعد أن قضى عقوبته البالغة ثلاثة أشهر. ويقبع الاثنان الآخران خلف القضبان حيث يقضيان عقوبة السجن لثلاثة أشهر، الصادرة بحقهما في يناير/كانون الثاني 2024. 

لم يطلق سراحه إلا بعد توقيعه على تعهد بالتوقف عن التظاهر

قال محاميان لمنظمة العفو الدولية إنَّ السلطات واصلت اعتقال الأشخاص المشاركين في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في عمَّان، ولكن عدد الاعتقالات تراجع منذ بداية ديسمبر/كانون الأول 2023. فبين 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اعتقلت السلطات أكثر من 1000 شخص، بمن فيهم المارّة، خلال احتجاجات مؤيدة لغزة، بحسب المحامين. ومن بين هؤلاء، أحيل 700 شخص إلى محكمة عمَّان بتهم تتعلق بقانون العقوبات، مثل “ارتكاب أعمال عنف” و”التحريض على الفتنة” و”الإضرار بالممتلكات العامة”. وأفرج عن معظم هؤلاء الأفراد في وقت لاحق بكفالة في انتظار المحاكمة. وبرأت محكمة عمَّان الأفراد الـ 300 المتبقين.

كما استخدم المحافظون المحليون قانون منع الجرائم لعام 1954 لاحتجاز بعض المتهمين إداريًا، وتوقيفهم من دون تهمة أو محاكمة، ولم يطلقوا سراحهم بكفالة إلا بعد توقيعهم على وثيقة يتعهدون فيها بالتوقف عن المشاركة في المظاهرات. ولا يوفر القانون الأردني للمحتجزين إداريًا فرصة للطعن في احتجازهم. 

وبموجب القانون والمعايير الدولية، لا يجوز للسلطات أن تطلب من الأفراد “تعهدات” بعدم تنظيم “تجمعات مستقبلية” أو المشاركة فيها. وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات الأردنية إلى إلغاء قانون منع الجرائم، وضمان الإفراج عن أي شخص رهن الاحتجاز الإداري أو اتهامه بارتكاب جريمة معترف بها، وفقًا للمعايير الدولية.

الحرمان من الوصول إلى محامين

أبلغت محامية منظمة العفو الدولية أنها ومحامين آخرين يمثلون أكثر من عشرة موكلين اعتُقلوا تعسفًا على أيدي المخابرات فيما يتصل بالاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، واحتُجزوا لمدة شهر على الأقل من دون السماح لهم بالاتصال بأسرهم أو محاميهم، قبل إطلاق سراحهم من دون توجيه تهم إليهم أو إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة. واستشهدت بحالة طالب طبّ احتُجز (من بين آخرين كثيرين) لمدة 95 يومًا بعد المشاركة بعد التظاهر:

“سُمح لي برؤيته مرة واحدة عندما وقع لي توكيلًا بالدفاع عنه وكانت هذه هي المرّة الأخيرة التي رأيته فيها… لدي سبع قضايا أخرى [متعلقة بأفراد] احتجزتهم دائرة المخابرات لنفس الأسباب لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر من دون مراعاة الأصول القانونية الواجبة”.

وواجه المتظاهرون المحتجزون في محكمة أمن الدولة تهمًا تتعلق بـ “تقويض نظام الحكم السياسي” بموجب قانون العقوبات. وينبغي للسلطات أن تُسقط فورًا التُهم الموجهة إلى المدنيين الذين يواجهون المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. 

كما حظرت السلطات الاحتجاجات المحاذية للمناطق الحدودية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة بذريعة أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اعتقلت قوات الأمن بشكل استباقي حوالي 25 شخصًا كانوا يخططون لاعتصام بالقرب من الحدود لأسباب أمنية. وقد أُطلق سراحهم جميعًا في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 من دون توجيه تهمة.

خلفية

الحملة الأخيرة هي جزء من نمط واضح من قمع السلطات الأردنية للحق في حرية التجمع والتعبير من خلال استخدام القوانين التعسفية. في زيارة إلى الأردن في سبتمبر/أيلول 2023، وثقت منظمة العفو الدولية كيف حاكمت السلطات تسعة نشطاء وصحفيين وغيرهم لانتقادهم سلوك السلطات وسياساتها، وتنظيم مناقشات حول القضايا التي تعتبرها السلطات “حساسة”، والدعوة إلى احتجاجات مناهضة للحكومة. وفي 2023، حققت السلطات، بما في ذلك قوات الأمن والمحاكم المدنية والعسكرية، مع 43 شخصًا على الأقل بسبب التعبير على الإنترنت أو حاكمتهم باستخدام قوانين مؤذية بطبيعتها وغامضة مثل قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 وقانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات.