ارتفاع صادم في استخدام القوة المميتة غير المشروعة من قبل القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة

قالت منظمة العفو الدولية إنه مع تركيز أنظار العالم على غزة، أطلقت القوات الإسرائيلية على مدى الأشهر الأربعة الماضية موجة عاتية من العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ونفذت عمليات قتل غير مشروع، بما في ذلك من خلال استخدام القوة المميتة بدون ضرورة أو بشكل غير متناسب أثناء الاحتجاجات والمداهمات والاعتقالات، وحرمت الجرحى من الإسعاف الطبي.

وحققت المنظمة في أربع حالات بارزة استخدمت فيها القوات الإسرائيلية القوة المميتة غير المشروعة، وقعت ثلاث منها في أكتوبر/تشرين الأول وواحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، وأسفرت عن مقتل 20 فلسطينيًا بصورة غير مشروعة، من بينهم سبعة أطفال. وأجرى باحثو المنظمة مقابلات عن بعد مع 12 شخصًا، 10 منهم شهود عيان، بمن فيهم مسعفون وسكان محليون. وتحقق مختبر أدلة الأزمات التابع للمنظمة من 19 مقطع فيديو وأربع صور أثناء فحص هذه الحوادث الأربع.

كما وجدت أبحاث منظمة العفو الدولية أن القوات الإسرائيلية عرقلت تقديم المساعدة الطبية للأشخاص الذين أُصيبوا بجروح هددت حياتهم، وهاجمت أولئك الذين حاولوا مساعدة الجرحى الفلسطينيين، بمن فيهم المسعفون. 

وخلال الأشهر القليلة الماضية، صعَّدت إسرائيل مداهماتها المميتة في أنحاء الضفة الغربية وتصاعدت التوترات بشكل كبير. وفي إحدى الحوادث التي وقعت مؤخرًا، داهم الجنود الإسرائيليون مستشفى متنكرين في زي طاقم طبي. وقُتل ما لا يقل عن 507 فلسطينيين في الضفة الغربية في 2023، من بينهم 81 طفلًا على الأقل، مما يجعله العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ بدء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تسجيل الإصابات في 2005. 

وقالت إريكا جيفارا روساس، مديرة البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات في منظمة العفو الدولية: “تحت غطاء القصف المتواصل والجرائم الفظيعة في غزة، أطلقت القوات الإسرائيلية العنان للقوة المميتة غير المشروعة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ونفذت عمليات قتل غير مشروع وأظهرت استخفافًا مروعًا بحياة الفلسطينيين. تُشكل عمليات القتل غير المشروع هذه انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتُرتكب في ظل إفلات من العقاب في سياق إدامة نظام إسرائيل المؤسسي القائم على القمع والهيمنة المنهجيَيْن ضد الفلسطينيين”.

“وتوفر هذه الحالات أدلة صادمة على العواقب المميتة لاستخدام إسرائيل غير المشروع للقوة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد أثبتت السلطات الإسرائيلية، بما فيها النظام القضائي الإسرائيلي، بشكل مشين، عدم استعدادها لضمان العدالة للضحايا الفلسطينيين. وفي هذا المناخ من الإفلات شبه التام من العقاب، يجب أن يتدخل نظام عدالة دولية كفوء. ويجب على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يحقق في عمليات القتل والإصابات هذه باعتبارها جرائم حرب محتملة تتمثل في القتل العمد والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابات خطيرة. إنَّ الوضع في فلسطين وإسرائيل هو اختبار حاسم لشرعية المحكمة وسمعتها. ولا تملك ترف الفشل”.

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفي مختلف أنحاء الضفة الغربية، تواصَل استخدام القوات الإسرائيلية للقوة غير المشروعة خلال عمليات إنفاذ القانون بلا هوادة، مما زرع الخوف والترهيب في أوساط مجتمعات بأكملها. كما استخُدمت هذه القوة في تفريق المسيرات والاحتجاجات التي نُظمت نصرةً لغزة والمطالبة بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.

بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و31 ديسمبر/كانون الأول 2023، قُتل 299 فلسطينيًا، مما يمثل زيادة بنسبة 50٪ مقارنةً بالأشهر التسعة الأولى من العام. وُقتل ما لا يقل عن 61 فلسطينيًا آخرين، من بينهم 13 طفلًا، حتى الآن في 2024 بحلول 29 يناير/كانون الثاني، وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.

تحت غطاء القصف المتواصل والجرائم الفظيعة في غزة، أطلقت القوات الإسرائيلية العنان للقوة المميتة غير المشروعة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة…

إريكا جيفارا روساس، منظمة العفو الدولية

وأرسلت منظمة العفو الدولية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني طلبات للحصول على معلومات إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وإلى قائد منطقة القدس في جهاز الشرطة الإسرائيلية بشأن الحالات الأربع التي حققت المنظمة فيها. ولم تتلقَّ المنظمة أي رد حتى وقت النشر. وتواصل منظمة العفو الدولية التحقيق في حالات أخرى من استخدام القوة المفرطة خلال عمليات إنفاذ القانون، مثل المداهمات والهجمات المتكررة في جنين وطولكرم في شمال الضفة الغربية المحتلة.

لدى إسرائيل سجل موثق جيدًا في استخدام القوة المفرطة والمميتة في كثير من الأحيان لوأد المعارضة وفرض نظام الأبارتهايد ضد الفلسطينيين المفضي إلى نمط تاريخي من عمليات القتل غير المشروع التي تُرتكب مع الإفلات من العقاب.

“ثلاث رصاصات أُطلقت بلا أي رحمة”: مداهمة مخيم نور شمس في أكتوبر/تشرين الأول

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، صعّدت القوات الإسرائيلية مداهماتها ونفذتها بشكل شبه يومي في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة فيما وصفته بعمليات التفتيش والاعتقال. 

ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أصيب أكثر من 54٪ من أصل 4,382 من الفلسطينيين المُصابين في الضفة الغربية، بجروح خلال هذه العمليات.  

وفي إحدى الحالات التي تمثل نموذجًا لهذه المداهمات، والتي حققت فيها منظمة العفو الدولية، استخدمت قوات الجيش الإسرائيلي وقوات حرس الحدود القوة المفرطة خلال مداهمة استمرت 30 ساعة لمخيم نور شمس للاجئين في طولكرم ابتداءً من 19 أكتوبر/تشرين الأول.

خلال العملية، قتلت القوات الإسرائيلية 13 فلسطينيًا، من بينهم ستة أطفال، أربعة منهم دون سن 16، واعتقلت 15 شخصًا. ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن ضابطًا من حرس الحدود الإسرائيلي قُتل وأصيب تسعة آخرون بعد أن ألقى فلسطينيون عبوة ناسفة عليهم.

وأبلغ السكان منظمة العفو الدولية أن الجنود الإسرائيليين اقتحموا خلال العملية أكثر من 40 منزلًا سكنيًا، ودمروا الممتلكات الشخصية، وحفروا ثقوبًا في الجدران لجعلها منصات للقناصة. وقُطعت المياه والكهرباء عن المخيم واستخدم الجنود الجرافات لتدمير الطرق العامة وشبكات الكهرباء والبنية التحتية للمياه.

وكان من بين القتلى خلال عملية المداهمة طه محاميد، 15 عامًا، الذي أردته القوات الإسرائيلية قتيلًا بالرصاص أمام منزله أثناء خروجه للتحقق مما إذا كانت القوات الإسرائيلية قد غادرت المنطقة. ولم يكن طه مسلحًا ولم يُشكل أي تهديد للجنود وقت إطلاق النار عليه، استنادًا إلى إفادات الشهود ومقاطع الفيديو التي اطلعت عليها منظمة العفو الدولية. ويظهر في مقطع فيديو صوّرته إحدى شقيقاته، وتحقق منه مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية، طه وهو يسير في الشارع، ويختلس النظر للتحقق من وجود جنود، ثم يسقط في الشارع خارج منزله، بعد سماع صوت ثلاث طلقات نارية.

وقالت فاطمة، شقيقة طه لمنظمة العفو الدولية: “لم يعطوه أي فرصة. في لحظة، قضوا على أخي. ثلاث رصاصات أُطلقت عليه بلا أي رحمة. أصابته الرصاصة الأولى في ساقه. والثانية – في بطنه. والثالثة، في عينه. لم تكن هناك مواجهات… لم يكن هناك نزاع”.

وأبلغ شاهد عيان منظمة العفو الدولية أنه عندما حاول والد طه، إبراهيم محاميد، حمل ابنه المصاب إلى مكان آمن، أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليه في ظهره. ويُظهر مقطع فيديو تحقق منه مختبر الأدلة، وصوّرته إحدى شقيقات طه بعد إطلاق النار مباشرة، والد طه ملقى على الأرض بجوار طه قبل أن يعرج مبتعدًا. وأضافت فاطمة محاميد قائلة: “رفع [والدها إبراهيم] يديه وأظهر لهم [الجنود] أنه لا يحمل شيئًا فيهما. أراد فقط أخذ ابنه. عاجلوه برصاصة، وسقط والدي بجوار طه”.

وأصيب إبراهيم محاميد بأضرار جسيمة في أعضائه الداخلية وتعين نقله إلى العناية المركزة.

ولم يشكل طه أو إبراهيم محاميد تهديدًا للقوات الإسرائيلية أو لأي شخص آخر عندما أُطلقت النار عليهما. ويجب التحقيق في هذا الاستخدام غير المبرر للقوة المميتة باعتباره جريمة حرب محتملة تتمثل في القتل العمد والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابات خطيرة بالجسم أو الصحة.

لم يعطوه أي فرصة. في لحظة، قضوا على أخي.

فاطمة، شقيقة طه، 15 عامًا، الذي أردته القوات الإسرائيلية قتيلًا بالرصاص

وبعد حوالي 12 ساعة من مقتل طه محاميد، اقتحم الجيش الإسرائيلي منزل عائلته واحتجز أفراد أسرته، بمن فيهم ثلاثة أطفال صغار، في غرفة تحت إشراف جندي لمدة 10 ساعات تقريبًا. كما حفروا ثقوبًا في جدران غرفتين لتمركز القناصة المشرفين على الحي. وقال أحد الشهود إن الجنود فتشوا المنزل وضربوا أحد أفراد الأسرة، وشوهد أحدهم يتبول على عتبة الباب.

وفي مقاطع فيديو تحققت منها منظمة العفو الدولية، شوهدت جرافات عسكرية إسرائيلية تلحق أضرارًا بالشوارع الضيقة لمخيم نور شمس للاجئين. كما يظهر فيديو نشرته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وتحقق منه مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية الأضرار الجسيمة التي لحقت بشارع داخل مخيم نور شمس للاجئين، مما أعاق الإجلاء الطبي للجرحى أثناء المداهمة.

استخدام القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين الفلسطينيين

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، نظم الفلسطينيون في مختلف أنحاء الضفة الغربية احتجاجات نصرةً لغزة بشكل متكرر. وكانت هذه المظاهرات سلمية في معظمها، ولكن شوهد بعض المحتجين وهم يرشقون الحجارة ردًا على وجود القوات الإسرائيلية أو تدخلها باستخدام القوة.

إنَّ استخدام القوات الإسرائيلية للقوة المميتة ردًا على إلقاء الشباب للحجارة يتعارض مع الحق في الحياة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية التي تنظم استخدام القوة في عمليات حفظ الأمن. لا يمكن استخدام القوة المميتة في إنفاذ القانون إلا عندما يكون هناك تهديد وشيك للحياة، وإن استخدامها ليس استجابة متناسبة مع إلقاء الحجارة.

في إحدى الحالات الفظيعة التي وقعت في 13 أكتوبر/تشرين الأول في طولكرم، وصف شاهدا عيان لمنظمة العفو الدولية كيف فتحت القوات الإسرائيلية المتمركزة في برج مراقبة عسكري عند أحد المداخل الرئيسية للمدينة، وأولئك الذين كانوا على سطح منزل مجاور، النار على حشد من 80 فلسطينيًا على الأقل غير مسلحين كانوا يتظاهرون سلميًا نُصرةً لغزة.

وقالت صحفيتان كانتا في مكان الحادث لمنظمة العفو الدولية كل على حدة، إنهما شاهدتا القوات الإسرائيلية وهي تطلق عبوتين من الغاز المسيل للدموع على الحشد، وبعد ذلك بوقت قصير تفتح نيران الذخيرة الحية نحوهم بدون طلقات تحذيرية. وشاهدت الصحفيتان أربعة أشخاص يتعرضون لإطلاق النار ويصابون أثناء محاولتهم الهرب من موقع إطلاق النار. وبعد بضع دقائق، فتحت القوات الإسرائيلية النار أيضًا باتجاه الصحفيتَيْن رغم أنهما كانتا ترتديان سترات تحمل علامات واضحة على أنها سترات صحفية. واِخْتَبَأْتَا خلف جدار مع ثلاثة أطفال واضطرتا للبقاء هناك لمدة ساعتين تقريبًا مع استمرار العملية.

وخلال هذا الوقت، شاهدتا رجلًا فلسطينيًا كان يركب دراجة نارية يمر بمحاذاتهما قبل أن يطلق عليه جندي إسرائيلي النار ويصيبه. كما رأت إحداهن متظاهرًا ثانيًا يُصاب برصاصة في الرأس. ووصفت كيف تم إطلاق النار على الضحية فجأة وسقط على الأرض. وتوفي في وقت لاحق متأثرًا بجراحه.

وفي حادثة أخرى، في يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني، لجأت القوات الإسرائيلية إلى استخدام القوة المفرطة ضد حشد من الفلسطينيين في بيتونيا، بالقرب من رام الله. وكانت المجموعة قد اجتمعت للترحيب بالسجناء الذين أطلق سراحهم من سجن عوفر كجزء من الصفقة بين إسرائيل وحماس خلال الهدنة الإنسانية المؤقتة في غزة.

ووصف شهود عيان لمنظمة العفو الدولية كيف أطلق الجيش الإسرائيلي الذخيرة الحية والرصاص المغلف بالمطاط على الحشد، وألقى قنابل الغاز المسيل للدموع باستخدام طائرات بدون طيار. وأفاد شهود عيان أيضًا بأن القوات الإسرائيلية استخدمت جرافة عسكرية فيما قاد الجنود سيارات جيب عسكرية باتجاه الفلسطينيين الذين تجمعوا.

وشاهد أحد شهود العيان المواطن ياسين الأسمر وهو يصاب برصاصة في صدره بينما كان يقف وسط الحشد، وشاهد كيف لم تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول إليه بسبب إطلاق النار المستمر من قبل القوات الإسرائيلية. وبدلًا من ذلك، تمكن رفاقه من سحبه ونقله إلى مستشفى في رام الله، ليُعلن عن وفاته بعد ذلك بوقت قصير. 

وتُظهر مقاطع الفيديو التي تحقق منها مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية بعض المحتجين وهم يلقون الحجارة ويحرقون الإطارات في المنطقة، فضلًا عن شخص واحد على الأقل يلقي زجاجة حارقة على جرافة.

بموجب القانون الدولي، لا يبرر إلقاء الحجارة أو حرق الإطارات ردًا بإنفاذ القانون ينطوي على استخدام الأسلحة النارية. فيحظر القانون الدولي استخدام القوة المميتة ضد أشخاص لا يشكّلون تهديدًا وشيكًا بالموت أو الإصابة الخطيرة.

ويجب التحقيق في حوادث إطلاق النار هذه باعتبارها جرائم حرب محتملة تتمثل في القتل العمد والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابات خطيرة. 

وقال أحد الشهود: “إنهم يسعون إلى تعكير احتفالنا بالأسرى المفرج عنهم وتأكيد هيمنتهم”.

“رأيت…إطلاق النار على سيارة الإسعاف”: عرقلة الحصول على المساعدة الطبية 

إنَّ عرقلة القوات الإسرائيلية للمساعدات الطبية خلال العمليات في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة هي ممارسة روتينية وثقتها منظمة العفو الدولية لسنوات، وهي جزء من نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. بموجب القانون الدولي، يتعين على القوات الإسرائيلية ضمان حصول أي شخص يصاب على يد قواتها على العلاج الطبي.   

وقد حققت منظمة العفو الدولية في خمس حالات أعاقت فيها القوات الإسرائيلية أو منعت المصابين بجروح خطيرة في المظاهرات والمداهمات من تلقي المساعدة الطبية بالغة الضرورة. كما أطلقت النار على الفلسطينيين الذين حاولوا المساعدة، بمن فيهم المسعفون الذين يعالجون الجرحى.

ففي 10 أكتوبر/تشرين الأول، قتلت وحدة دورية تابعة لحرس الحدود الإسرائيلي بصورة غير مشروعة في عين اللوزة، وهو حي من أحياء سلوان في القدس الشرقية المحتلة، علي عباسي الذي لم يكن مسلحًا وحاول سحب عبد الرحمن فرج، الذي كان قد تعرض لإطلاق النار من قبل نفس الوحدة، إلى مكان آمن.

وقد اندلعت مواجهات بين الفلسطينيين وقوات حرس الحدود في الحي. واستخدم الفلسطينيون الألعاب النارية، فيما استخدمت القوات الإسرائيلية الذخيرة الحية. وتحقق مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية من ثلاثة مقاطع فيديو صُوّرت من زوايا مختلفة، تظهر ألعابًا نارية تضرب سيارة شرطة من الخلف والجوانب.

وخلال هذه الاشتباكات، أُطلقت النار على عبد الرحمن فرج. بعد ذلك بوقت قصير، حاول علي عباسي سحب فرج إلى بر الأمان. وأبلغ شاهد عيان، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، منظمة العفو الدولية أنهم رأوا القوات الإسرائيلية تطلق النار على علي عباسي في رأسه أثناء محاولته سحب فرج إلى بر الأمان.

وقال الشاهد إنَّ القوات الإسرائيلية هددت بعد ذلك بإطلاق النار على الأشخاص الذين حاولوا مساعدة الرجلَيْن وأعاقت وصول سيارة إسعاف إلى الضحيتين، وتركتهما ينزفان على الأرض لأكثر من ساعة. وفي وقت لاحق، تم نقل الضحيتين بواسطة سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية ولم تُعِد السلطات الإسرائيلية جثمانَيْهما إلى عائلتَيْهما بعد.

وبالمثل، خلال حملة القمع ضد مظاهرة طولكرم في 13 أكتوبر/تشرين الأول، أبلغ شهود عيان على إطلاق القوات الإسرائيلية النار على الرجل الفلسطيني الذي كان يركب دراجة، منظمة العفو الدولية إنَّ المسعف الذي حاول إنقاذ الضحية تعرض أيضًا لإطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين عندما اقترب من الرجل المصاب. وقالت إحدى الصحفيتين اللتين شهدتا الحادثة لمنظمة العفو الدولية إنها رأت الرجل على الدراجة يتلقى رصاصة في إحدى ساقيه قبل أن يسقط أرضًا:

“كان يصرخ. ثم حاول أحد رجال الإسعاف نقله وإنقاذ حياته لكن القناص الإسرائيلي واصل إطلاق النار. رأيت بأمّ عينَيْ إطلاق النار على المسعفين وسيارة الإسعاف من جانب القناصة الإسرائيليين”.

وفي مثال ثالث، خلال مداهمة مخيم نور شمس في 19 أكتوبر/تشرين الأول، قال ثلاثة شهود عيان، من بينهم مسعف في مكان الحادث، إن سيارتَيْ إسعاف أوقفتا عند مدخل المخيم ومُنعتا من الوصول إلى المصابين. وقال الشهود إنَّ السكان أُجبروا على نقل الجرحى إلى المستشفى في سيارات خاصة.

وأبلغ أفراد الأسرة، الذين شهدوا إطلاق النار على إبراهيم محاميد في 19 أكتوبر/تشرين الأول أثناء محاولته حمل ابنه المصاب طه إلى بر الأمان، منظمة العفو الدولية أنه مُنع من تلقي المساعدة الطبية لأكثر من ساعة. كما تحدثت المنظمة إلى مسعف في مكان الحادث أكد أنه أمضى أكثر من ساعة في محاولة الوصول إلى إبراهيم محاميد، لكن القوات الإسرائيلية أوقفت سيارة الإسعاف عند مدخل المخيم وتُرك إبراهيم ينزف طوال ذلك الوقت.  

وخلال المداهمة التي طالت مختلف أنحاء جنين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، هاجم الجيش الإسرائيلي طواقم طبية كانت تحاول علاج شخص مصاب بطلق ناري داخل مخيم جنين للاجئين. وكما أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، قتلت القوات الإسرائيلية 13 فلسطينيًا خلال هذه العملية التي استمرت 12 ساعة وشملت اشتباكات مسلحة وغارات جوية.

ووفقًا لشاهد عيان، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على صابرين العبيدي، وهي مسعفة تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، في أسفل ظهرها بينما كانت داخل سيارة إسعاف متوقفة تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مخيم جنين للاجئين.

وخلال المداهمة نفسها التي وقعت في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت القوات الإسرائيلية النار أيضًا على سيارتي إسعاف تابعتين لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني دخلتا مخيم جنين للاجئين لنقل الجرحى. وتُظهر لقطات فيديو من كاميرا مثبتة داخل سيارة إسعاف تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تمت مشاركتها مع منظمة العفو الدولية، وتحقق منها مختبر أدلة الأزمات التابع للمنظمة، سقوط قذيفة على الطريق على بعد مترين تقريبًا أمام سيارة الإسعاف. كما روى مسعف داخل سيارة الإسعاف تفاصيل الحادث المصور بالفيديو لمنظمة العفو الدولية، وقال إنه رأى أيضًا مسعفين آخرين يُطلق عليهما النار من قناص متمركز في مبنى على الجانب الآخر من الشارع.

وينصّ القانون الدولي على احترام وحماية المرضى والجرحى والعاملين في المجال الطبي. وتنتهك عرقلة الحصول على العلاج الطبي الحق في الصحة، والحق في الأمن الشخصي، والحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، ويمكن أن تؤدي إلى انتهاكات للحق في الحياة.

واختتمت إريكا جيفارا روساس: “لقد وثقت منظمة العفو الدولية منذ فترة طويلة عمليات القتل غير المشروع التي ترتكبها القوات الإسرائيلية وتقاطعَها مع نظام الأبارتهايد المفروض على الفلسطينيين. آن الأوان كي يحقق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في عمليات القتل هذه، من جهة، وفي جريمة الأبارتهايد من جهة أخرى، ضمن تحقيقه بشأن الوضع في فلسطين”.

خلفية عن المعايير القانونية الدولية

في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، إسرائيل هي السلطة المحتلة وتخضع أفعالها إلى التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى اتفاقية جنيف الرابعة وقانون الاحتلال.

خلال حفظ الأمن في المظاهرات والقيام بمهام إنفاذ القانون الأخرى في الضفة الغربية، بما في ذلك ما يسمى بعمليات التفتيش والاعتقال، يجب على القوات الإسرائيلية احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والأمن الشخصي والحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، فضلًا عن المعايير الدولية التي توضح كيفية احترام حقوق الإنسان من قبل الضباط المكلفين بإنفاذ القانون، مثل المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الضباط المكلفين بإنفاذ القانون.

وتحظر هذه المعايير استخدام القوة من جانب الضباط المكلفين بإنفاذ القانون ما لم تكن هناك ضرورة قصوى وبالقدر اللازم لأداء واجبهم وتتطلب عدم استخدام الأسلحة النارية إلا كملاذ أخير – عند الضرورة القصوى للأفراد العسكريين أو الشرطة لحماية أنفسهم أو غيرهم من التهديد الوشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة. ولا يكون الاستخدام المميت المتعمّد للأسلحة النارية مسموحًا إلا عندما يتعذر تمامًا تجنبه لحماية الأرواح. إنَّ القتل المتعمّد للأشخاص المحميين والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة للأشخاص المحميين هي انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة وجرائم حرب.