أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب في هجمات إسرائيلية قضت على أسر بأكملها في غزة

مع استمرار القوات الإسرائيلية في تكثيف هجومها الكارثي على قطاع غزة المحتل، وثقت منظمة العفو الدولية ارتكاب القوات الإسرائيلية هجمات غير قانونية، من بينها غارات عشوائية، تسببت في سقوط أعداد كبيرة في صفوف المدنيين، ويجب التحقيق فيها على أنها جرائم حرب.

وتحدثت المنظمة إلى ناجين وشهود عيان، وحللت صور الأقمار الاصطناعية وتحققت من الصور ومقاطع الفيديو للتحقيق في عمليات القصف الجوي التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الفترة من 7 إلى 12 أكتوبر/تشرين الأول، والتي أدّت إلى دمار مروّع، وفي بعض الحالات، قضت على عائلات بأكملها. وتقدم المنظمة هنا تحليلًا مستفيضًا للنتائج التي توصلت إليها في خمس من هذه الهجمات غير القانونية. وفي كل من هذه الحالات، انتهكت الهجمات الإسرائيلية القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك عن طريق عدم توخي الاحتياطات الممكنة لدرء الخطر عن المدنيين أو من خلال شن هجمات عشوائية أخفقت في التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية، أو من خلال تنفيذ هجمات ربما كانت موجهة مباشرة ضد الأعيان المدنية.

وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “لقد أظهرت القوات الإسرائيلية، في نيتها المعلنة استخدام كافة الوسائل لتدمير حماس، ازدراءً صادمًا لأرواح المدنيين. لقد دمرت شارعًا تلو الآخر من المباني السكنية، مما أسفر عن مقتل المدنيين على نطاق واسع وتدمير البنية التحتية الأساسية، بينما تؤدي القيود الجديدة التي فرضتها إلى النفاد السريع للمياه والأدوية والوقود والكهرباء في غزة. وأكدت شهادات شهود العيان والناجين، مرارًا وتكرارًا، أن الهجمات الإسرائيلية قد دمرت العائلات الفلسطينية وتسببت في دمار كبير لم يترك لأقارب الناجين سوى الركام ليذكّرهم بأحبائهم”.

طيلة 16 عامًا، أدى الحصار الإسرائيلي غير القانوني إلى تحويل غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم ـ ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن للحؤول دون تحويل غزة إلى مقبرة جماعية هائلة.

أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية

“لا تمثل الحالات الخمس الواردة إلا غيضًا من فيض الرعب الذي وثقته منظمة العفو الدولية، وتوضح الأثر المدمر الذي يحدثه القصف الجوي الإسرائيلي على الناس في غزة. فطيلة 16 عامًا، أدى الحصار الإسرائيلي غير القانوني إلى تحويل غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم ـ ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن للحؤول دون تحويل غزة إلى مقبرة جماعية هائلة. إننا نطالب القوات الإسرائيلية بالوقف الفوري للهجمات غير القانونية في غزة، وضمان توخي جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر على المدنيين والأعيان المدنية. ويجب على حلفاء إسرائيل أن يفرضوا على الفور حظرًا شاملًا على الأسلحة نظرًا لارتكاب انتهاكات جسيمة بموجب القانون الدولي”.

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، شنت القوات الإسرائيلية آلاف الغارات الجوية على قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل 3793 شخصًا على الأقلّ، معظمهم من المدنيين، من بينهم أكثر من 1500 طفل، وذلك وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة. وأصيب نحو 12,500 شخص، وما زالت أكثر من 1000 جثة عالقة تحت الأنقاض.

أما في إسرائيل، فقد قُتل ما يزيد عن 1,400 شخص، معظمهم من المدنيين، وأصيب نحو 3,300 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة الإسرائيلية، بعد أن شنت الجماعات المسلحة من قطاع غزة هجومًا غير مسبوق على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وأطلقت صواريخ عشوائية، وأرسلت مقاتلين إلى المنطقة الجنوبية (لإسرائيل)، وارتكبت جرائم حرب، بما في ذلك قتل المدنيين عمدًا واحتجاز الرهائن. ويقول الجيش الإسرائيلي إن المقاتلين أخذوا أيضًا أكثر من 200 رهينة من المدنيين والأسرى العسكريين، إلى قطاع غزة.

وأضافت أنياس كالامار قائلة: “تطالب منظمة العفو الدولية حماس، وغيرها من الجماعات المسلحة، بإطلاق سراح جميع الرهائن المدنيين بشكل عاجل، والتوقف فورًا عن إطلاق الصواريخ العشوائية إذ لا يُعقل أن يكون هناك أي مبرر للقتل المتعمد للمدنيين تحت أي ظرف من الظروف”.

وفي أعقاب ساعات من بدء الهجمات، باشرت القوات الإسرائيلية قصفها المكثف على غزة. ومنذ ذلك الحين، واصلت حماس، وغيرها من الجماعات المسلحة أيضًا، إطلاق الصواريخ العشوائية على المناطق المدنية في إسرائيل في هجمات يجب التحقيق فيها أيضًا باعتبارها جرائم حرب. وفي الوقت نفسه، قُتل 79 فلسطينيًا، من بينهم 20 طفلًا، في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، على أيدي القوات الإسرائيلية، أو مستوطنين، وسط تصاعد في الاستخدام المفرط للقوة من جانب الجيش الإسرائيلي، واستفحال عنف المستوطنين المدعومين من الدولة، والذي تحقق فيه منظمة العفو الدولية أيضًا.

وتواصل منظمة العفو الدولية التحقيق في عشرات الهجمات التي وقعت في غزة. ويركز هذا البيان على خمس هجمات غير قانونية ضربت مبانيَ سكنية ومخيمًا للاجئين ومنزلًا عامرًا بالسكان وسوقًا عامة ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه يهاجم أهدافًا عسكرية فقط، ولكن في عدد من الحالات، لم تجد منظمة العفو الدولية أي دليل على وجود مقاتلين أو أهداف عسكرية أخرى في المنطقة المجاورة، وقت وقوع الهجمات. كما وجدت منظمة العفو الدولية أن الجيش الإسرائيلي تقاعس عن اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة قبل الهجمات، بما في ذلك عدم إعطاء المدنيين الفلسطينيين تحذيرات مسبقة فعالة – ففي بعض الحالات لم يحذروا المدنيين على الإطلاق، وفي حالات أخرى أصدروا تحذيرات غير كافية.

ومضت أنياس كالامار تقول: “يشير بحثنا إلى وجود أدلة دامغة على وقوع جرائم حرب في حملة القصف الإسرائيلية، والتي يجب التحقيق فيها بشكل عاجل. إن عقودًا من الإفلات من العقاب والظلم والمستوى غير المسبوق من الموت والدمار الناجم عن الهجوم الحالي لن تؤدي إلا إلى مزيد من العنف، وعدم الاستقرار في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة”.

“فمن الضروري أن يسرّع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقاته الجارية في أدلة جرائم الحرب، وغيرها من الجرائم، بموجب القانون الدولي من قبل جميع الأطراف. وبدون تحقيق العدالة وتفكيك نظام الأبارتهايد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، لن تكون هناك نهاية لمعاناة المدنيين المروعة التي نشهدها”.

لقد جلب القصف المستمر على غزة معاناة لا يمكن تخيلها للأشخاص الذين يواجهون أزمة إنسانية حادة أصلًا. فبعد 16 عامًا من الحصار الإسرائيلي غير القانوني، أصبح نظام الرعاية الصحية في غزة على حافة الانهيار، واقتصادها في حالة يرثى لها. فالمستشفيات تنهار، وهي بالكاد قادرة على التعامل مع عدد الجرحى، وتفتقر بشدة إلى الأدوية والمعدات المنقذة للحياة.

وتطالب منظمة العفو الدولية المجتمع الدولي بِحثّ إسرائيل على إنهاء حصارها الشامل، الذي قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود عن سكان غزة؛ والسماح، على وجه السرعة، بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما على المجتمع الدولي أن يضغط على إسرائيل لرفع حصارها الطويل على غزة، الذي يصل إلى حد العقاب الجماعي للسكان المدنيين، فهو جريمة حرب وركيزة أساسية لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي. وأخيرًا، يجب على السلطات الإسرائيلية إلغاء “أمر الإخلاء” الذي قد يشكل تهجيرًا قسريًا للسكان.

المدنيون يدفعون الثمن في غزة

حققت منظمة العفو الدولية في خمس هجمات إسرائيلية على قطاع غزة، وقعت في الفترة من 7 إلى 12 أكتوبر/تشرين الأول. ونظرًا لأن السلطات الإسرائيلية رفضت أو توانت عن الرد على طلبات منظمة العفو الدولية لدخول غزة  ما بين عامي 2012 و2022، فقد تعاقدت لمنظمة مع باحث ميداني من غزة زار مواقع الهجمات وجمع الشهادات والأدلة الأخرى. وأجرى باحثو منظمة العفو الدولية مقابلات عبر الهاتف مع 17 ناجيًا وشهود عيان آخرين، فضلًا عن ستة من أقارب الضحايا، بشأن الحالات الخمس الواردة في هذا التقرير. وحلّل مختبر أدلة الأزمات التابع للمنظمة صور الأقمار الصناعية، وتحقّق من الصور ومقاطع الفيديو لمواقع الهجمات.

وفي الحالات الخمس الموضحة أدناه، وجدت منظمة العفو الدولية أن القوات الإسرائيلية نفذت هجمات انتهكت القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك عن طريق التقاعس عن توخي الاحتياطات الممكنة لدرء الخطر عن المدنيين، أو عن طريق شن هجمات عشوائية لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية، أو القيام بهجمات ربما كانت موجهة مباشرة ضد أعيان مدنية.

بموجب القانون الدولي الإنساني، يجب على جميع أطراف النزاع، في جميع الأوقات، التمييز بين المدنيين والأعيان المدنية، والمقاتلين والأهداف العسكرية، وتوجيه هجماتهم فقط على المقاتلين والأهداف العسكرية؛ فالهجمات المباشرة على المدنيين أو الأعيان المدنية محظورة، وتُعتبر جرائم حرب. كما تُحظر أيضًا الهجمات العشوائية – تلك التي لا يمكن أن تميّز بين ما هو مدني وما هو عسكري على النحو المطلوب. وعندما يؤدي هجوم عشوائي إلى مقتل أو إصابة مدنيين، فإنه يرقى إلى جريمة حرب. كما يُحظر أي هجوم غير متناسب – وهو الهجوم الذي يكون فيه الضرر المتوقع للمدنيين والأعيان المدنية مفرطًا “في تجاوز ما يُنتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ومباشرة”. إن شن هجوم غير متناسب عن علم هو جريمة حرب.

محو عائلات بأكملها

في حوالي الساعة 8:20 مساءً، من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، شنت القوات الإسرائيلية غارة جوية على مبنى سكني مكون من ثلاثة طوابق في حي الزيتون بمدينة غزة، حيث كانت تقيم ثلاثة أجيال من عائلة الدوس. وقُتل في الهجوم 15 من أفراد الأسرة، منهم سبعة أطفال؛ ومن بين الضحايا عوني وابتسام الدوس، وأحفادهما عوني (12 عامًا)، وابتسام (17 عامًا)؛ وعادل وإلهام الدوس وأبناؤهما الخمسة. وكان الطفل آدم، الذي لم يتجاوز عمره 18 شهرًا، أصغر الضحايا.

تدمرت عيلتنا كلها.

محمد الدوس

وأخبر محمد الدوس، الذي قُتل ابنه راكان البالغ من العمر خمس سنوات في الهجوم، منظمة العفو الدولية:

“نزلوا قنبلتين فجأة على سطح المبنى ودمروه دمار شامل. كنت أنا وزوجتي محظوظين وظلينا عايشين لأنا كنا في الطابق الأخير. وكانت زوجتي حامل في الشهر التاسع، وولدت بمستشفى الشفاء بعد يوم من الهجوم. تدمرت عيلتنا كلها”.

وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلة مع أحد جيرانه الذي تضرر منزله في الهجوم. ومثل محمد الدوس، قال إنه وعائلته لم يتلقوا تحذيرًا من القوات الإسرائيلية.

وأضاف قائلًا: “صار الإشي فجأة ومحدّش حكالنا إشي”.

يدعم امتلاء المبنى بالمدنيين وقت الغارة الجوية شهادة الناجين الذين قالوا إن القوات الإسرائيلية لم تصدر أي تحذيرات. وقد استغرق انتشال الجثث من تحت الأنقاض أكثر من ست ساعات من الأقارب والجيران، وفرق الإنقاذ.

ولم يعثر بحث منظمة العفو الدولية على أي دليل على وجود أهداف عسكرية في المنطقة وقت الهجوم. وإذا هاجمت القوات الإسرائيلية هذا المبنى السكني، علمًا منها بوجود مدنيين فقط وقت الهجوم، فيكون ذلك هجومًا مباشرًا على أعيان مدنية أو على مدنيين، وهو أمر محظور، ويشكل جريمة حرب. ولم تقدم إسرائيل أي تفسير بشأن الحادث، مع أنّه يتعيّن على المعتدي إثبات شرعية سلوكه العسكري. ويُعتبر الهجوم عشوائيًا أيضًا، حتى لو استهدفت القوات الإسرائيلية ما اعتبرته هدفًا عسكريًا مشروعًا، بمهاجمة مبنى سكني، في وقت كان مليئًا بالمدنيين، في قلب حي مدني مكتظ بالسكان، بطريقة تسببت في سقوط هذا العدد من الضحايا المدنيين وهذا الدمار الهائل. تُعتبر الهجمات العشوائية التي تقتل وتصيب المدنيين جرائم حرب.

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، أسفرت غارة جوية إسرائيلية على منزل إحدى العائلات عن مقتل 12 فردًا من عائلة حجازي وأربعة من جيرانهم، في شارع الصحابة بمدينة غزة. وكان من بين القتلى ثلاثة أطفال. وذكر الجيش الإسرائيلي أنه ضرب أهدافًا لحماس في المنطقة، لكنه لم يقدم معلومات إضافية، ولم يقدم أي دليل على وجود أهداف عسكرية مشروعة. ولم يجد بحث منظمة العفو الدولية أي دليل على وجود أهداف عسكرية مشروعة في المنطقة وقت الهجوم.

وتحدثت منظمة العفو الدولية إلى كمال حجازي، الذي فقد شقيقته وشقيقيه وزوجتيهما، وخمسة من بنات وأبناء إخوته، واثنين من أبناء عمومته في الهجوم. فقال:

“انقصف بيت عيلتنا المكون من ثلاثة طوابق الساعة 5:15 المسا. الإشي كان فجأة، بدون أي إنذار؛ مسبق ولهيك الكل كانوا في البيت”.

كما قُتل أحمد خالد السيك، أحد جيران عائلة حجازي. كان يبلغ من العمر 37 عامًا، ولديه ثلاثة أطفال صغار، أصيبوا جميعًا في الهجوم. ووصف والد أحمد ما حدث:

“كنت في شقتنا بالبيت، وكان أحمد في الطابق الأول لما انقصف البيت اللي قبالنا {المملوك لعائلة حجازي]، واستشهد. كان رايح يحلق شعره عند الحلاق اللي حد مدخل بنايتنا. لما طلع أحمد يحلق شعره، متخيلتش أشوفه هيك كمان مرة. القصف كان مفاجئ ومش متوقع، بدون أي تحذير. الناس كانوا مشغولين بأشغالهن اليومية”.

كما قُتل الحلاق الذي كان سيقص شعر أحمد.

ووفقًا للنتائج التي خلصت إليها منظمة العفو الدولية، لم تكُن هناك أهداف عسكرية في المنزل أو في المنطقة المجاورة له مباشرة، مما يشير إلى أن هذا قد يكون هجومًا مباشرًا على المدنيين أو على أعيان مدنية، وهو أمر محظور ويُعد جريمة حرب.

https://flo.uri.sh/visualisation/15430595/embed?auto=1

A Flourish data visualization

شارع الصحابة، غزة: صور الأقمار الصناعية بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تظهر المباني الواقعة على طول الشارع قبل الهجوم. في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تبدو المباني متضررة أو مدمرة بشدة.

تحذيرات غير كافية

وفي الحالات التي وثقتها منظمة العفو الدولية، وجدت مرارًا وتكرارًا أنّ الجيش الإسرائيلي إما لم يحذّر المدنيين على الإطلاق، أو أصدر تحذيرات غير كافية. وفي بعض الحالات، أبلغ شخصًا واحدًا عن هجوم انتهى بتدمير مبانٍ بأكملها أو شوارع مكتظة بالناس، أو أصدر أوامر “إخلاء” غير واضحة، مما ترك السكان في حيرة من أمرهم بشأن الإطار الزمني. ولم تضمن القوات الإسرائيلية بأي حال من الأحوال توفير مكان آمن للمدنيين للجوء إليه. وفي إحدى الهجمات على سوق جباليا، غادر الناس منازلهم استجابة لأمر “الإخلاء”، ليُلاقوا حتفهم في المكان الذي فروا إليه.

في 8 تشرين الأول/أكتوبر، شنت القوات الإسرائيلية غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، مما أدى إلى مقتل محمد وشروق النقلة واثنين من أطفالهما، عمر، ثلاثة أعوام، ويوسف، خمسة أعوام، وإصابة ابنتهما مريم، البالغة من العمر عامَيْن، وابن أخيهما عبد الكريم، البالغ من العمر ثلاث سنوات. كما أصيب في الهجوم نحو 20 شخصًا آخرين.

وقال إسماعيل النقلة، شقيق محمد ووالد عبد الكريم، لمنظمة العفو الدولية إن جارهم تلقى مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي في حوالي الساعة 10:30 صباحًا، يحذر فيها من أن المبنى الذي يسكنه على وشك التعرّض للقصف. فغادر إسماعيل ومحمد وعائلتاهما المبنى على الفور، كما فعل جيرانهما. وبحلول الساعة 3:30 مساءً، لم يحدث أي هجوم، لذا عادت عائلة النقلة، وآخرون إلى منازلهم لجمع الضروريات. وأوضح إسماعيل أنهم اعتقدوا أن ذلك آمن بعد مرور خمس ساعات على التحذير، لكنهم كانوا ينوون المغادرة بسرعة فور جمع أغراضهم.

أثناء عودتهم إلى شققهم، استهدفت غارة المبنى المجاور، فدمرت منزل عائلة النقلة وألحقت أضرارًا، بمنازل أخرى قريبة. وكان محمد وعائلته لا يزالون في باحة المبنى الذي يسكنون فيه عندما قُتلوا. ووصف إسماعيل رؤية جزء من دماغ ابن أخيه يوسف البالغ من العمر خمس سنوات “خارج رأسه”، وقال إن انتشال جثة عمر البالغ من العمر ثلاث سنوات من تحت الأنقاض لم يكُن ممكنًا قبل اليوم التالي. وأبلغ منظمة العفو الدولية أن الطفلَيْن الناجيَيْن مريم وعبد الكريم، خرجا من المستشفى سريعًا لأن مستشفيات غزة مكتظة بالضحايا.

لا يعفي توجيه إنذار القوات المسلحة من التزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولي الإنساني. وبالنظر إلى الوقت الذي انقضى منذ صدور الإنذار، كان ينبغي على منفذي الهجوم التأكد من وجود مدنيين قبل الشروع في الهجوم. علاوة على ذلك، إذا كان هذا، كما يبدو، هجومًا مباشرًا على هدف مدني، فهو جريمة حرب.

“الكل كانوا يدوّروا على ولادهم”

في حوالي الساعة 10:30 من صباح يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول، أصابت الغارات الجوية الإسرائيلية سوقًا في مخيم جباليا للاجئين، الواقع على بعد بضعة كيلومترات شمال مدينة غزة، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 69 شخصًا. ومن المعروف أن شارع السوق هو من أكثر المناطق التجارية ازدحامًا في شمال غزة. في ذلك اليوم كان المكان أشد ازدحامًا من المعتاد، حيث كان مليئًا بآلاف الأشخاص من المناطق المجاورة الذين فروا من منازلهم خاليي الوفاض في وقت سابق من ذلك الصباح بعد تلقي رسائل نصية من الجيش الإسرائيلي.

راجع مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية ستة مقاطع فيديو تظهر آثار الغارة الجوية على سوق مخيم جباليا. وتظهر الصور منطقة مكتظة بالسكان وبها مبانٍ متعددة الطوابق. وتُظهر مقاطع الفيديو، وصور الأقمار الصناعية، ما بعد الحادث، ما لا يقل عن ثلاثة مبانٍ متعددة الطوابق مدمرة بالكامل، كما لحقت أضرار جسيمة بالعديد من المباني في المناطق المحيطة، وشوهدت العديد من الجثث تحت الأنقاض في اللقطات المصورة.

ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فقد كان يستهدف “مسجدًا كان فيه أعضاء من حماس” عندما ضربت سوق جباليا، لكنه لم يقدم أي دليل لإثبات ادعائه. وبغض النظر عن ذلك، فإن انتماء شخص إلى حركة سياسية لا يبرّر استهدافه. ولم تظهر صور الأقمار الصناعية التي حللتها منظمة العفو الدولية أي مسجد في المنطقة المجاورة مباشرةً لشارع السوق.

بناءً على شهادات الشهود وصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو الموثقة فإن الهجوم الذي أسفر عن خسائر كبيرة في أرواح المدنيين كان عشوائيًا، ويجب التحقيق فيه على أنه جريمة حرب محتملة.

قُتل عماد حمد، 19 عامًا، في الغارة على سوق جباليا بينما كان في طريقه لشراء الخبز ومراتب نوم لأسرته. ووصف والده، زياد حمد، لمنظمة العفو الدولية كيف غادرت أسرته منزلها في بيت حانون قبل يوم من ذلك بعد تلقيها رسالة تحذير من الجيش الإسرائيلي، وساروا نحو خمسة كيلومترات إلى مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي كانت تُستعمل كملجأ، في مخيم جباليا.

بينما كانوا سائرين، كان عماد يحمل أخاه الصغير على كتفيه. وفي اليوم التالي، قال زياد لمنظمة العفو الدولية، إنّه عاد حاملًا جثة عماد على كتفيه لدفنه.

ولادي يبللوا حالهن من الرعب والخوف، والبرد. ما إلنا علاقة بهذا، شو الذنب اللي عملناه؟

زياد حمد

وصف زياد المشاهد المروعة التي واجهها في المشرحة حيث وجد جثة ابنه، جنبًا إلى جنب مع العديد من الآخرين.

” كانت الجثث محروقة، كنت خايف أطّلع. ما كان بدي أطّلع، ميزت إنه هذا ابني بس من بنطلونه. كان بس بدي أدفنه مباشرة. حملت ابني وطلّعته من هناك. حملته”.

عندما تحدثت منظمة العفو الدولية إلى زياد وعائلته النازحة، كانوا في مدرسة تديرها الأونروا لإيواء النازحين. وقال إنها تفتقر إلى الخدمات الأساسية أو مرافق صحية، وإنه لم يكُن لديهم فراش للنوم.

لقد كان يأس زياد من الظلم الذي عاشه خانقًا.

وسأل: “شو عملت عشان أستاهل كل هذا؟”

“أخسر ابني، أخسر بيتي، أنام على بلاط غرفة الصف؟ ولادي يبللوا حالهن من الرعب والخوف، والبرد. ما إلنا علاقة بهذا، شو الذنب اللي عملناه؟ ربّيت ابني كل حياتي، عشان شو؟ عشان أشوفه يموت وهو يشتري خبز”.

بينما كان باحث منظمة العفو الدولية يتحدث مع زياد على الهاتف، سقطت غارة جوية أخرى بالقرب من هناك. منذ أن أجرى باحثو منظمة العفو الدولية مقابلة مع زياد، في 10 أكتوبر/تشرين الأول، تدهورت ظروف النازحين داخليًا بشكل أكبر، بسبب حجم النزوح ومدى الدمار والآثار المدمرة للحصار الشامل المفروض منذ 9 أكتوبر/تشرين الأول. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وصل عدد النازحين داخليًا في غزة إلى مليون شخص في 19 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك حوالي 527,500 شخص يقيمون في مدارس الأونروا في وسط وجنوب غزة”.

“مش قادرين نعد الموتى” 

في 10 أكتوبر/تشرين الأول، ضربت غارة جوية إسرائيلية مبنىً من ستة طوابق في الشيخ رضوان، منطقة في مدينة غزة في الساعة 4:30 مساءً. ودمرت الضربة المبنى بالكامل، وقتلت 40 مدنيًا على الأقل.

تشير صور الأقمار الصناعية إلى أضرار لحقت بالمباني في هذا الشارع بين 12:11 من 10 أكتوبر/تشرين الأول و 7:30 من 11 أكتوبر/تشرين الأول بالتوقيت العالمي المنسق. وحدد مختبر أدلة الأزمات موقع الفيديوهات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤكد تدمير المنازل في الشيخ رضوان. ويظهر أحد مقاطع الفيديو المنشور على الإنترنت في 10 أكتوبر/تشرين الأول مدنيين يسحبون جثة طفل ميت من تحت الأنقاض.

تحدثت منظمة العفو الدولية إلى محمود عاشور الذي قُتلت ابنته إيمان وأبناؤها الأربعة، حمزة، ستة أشهر، وأحمد، عامان، وعبد الحميد، ستة أعوام، ورحاب، ثمانية أعوام، في الهجوم.

ما قدرت أحميهم. ما بقيلي أي أثر من ابنتي.

محمود عاشور

“أجت بنتي وولادها عندي عشان الأمان لإنه هاي المنطقة كانت آمنة نسبيًا في الهجمات السابقة. بس ما قدرت أحميهم. ما بقيلي أي أثر من ابنتي”.

وصف محمود مدى الدمار:

“أنا بحكي معك وأنا بحاول أشيل الركام بإيدي. إحنا مش قادرين حتى نعد الموتى”.

قال فوزي نفار (61 عامًا) إن 19 من أفراد أسرته، بما في ذلك زوجته وأبناؤه وأحفاده، قُتلوا جميعًا في الغارة الجوية. عندما تحدثت منظمة العفو الدولية مع فوزي بعد خمسة أيام من الغارة الجوية، لم يكُن قد تمكن من استعادة سوى رفات كنّته و”كتف ابنه”.

وجد بحث منظمة العفو الدولية أن أحد أفراد حماس كان يقيم في أحد طوابق المبنى، لكنه لم يكن هناك في وقت الضربة الجوية. فانتماء شخص إلى حركة سياسية لا يبرّر استهدافه.

كما أنّ وجود مقاتل في مبنى مدني لا يحوّل هذا المبنى أو أي من المدنيين فيه إلى هدف عسكري. ويستوجب القانون الدولي الإنساني من القوات الإسرائيلية اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة للحد من الأضرار التي لحقت بالمدنيين والممتلكات المدنية، بما في ذلك إلغاء الهجوم أو تأجيله إذا اتضح أنه سيكون عشوائيًا أو غير قانوني.

لكن، لم تُتّخذ هذه الاحتياطات قبل الغارة الجوية على الشيخ رضوان. وكان معلومًا أنّ المبنى مأهول بالمدنيين، بمَن فيهم أطفال، وكان يمكن درء الخطر عليهم. هذا هجوم عشوائي قتل مدنيين وأصاب آخرين بجروح، ويجب التحقيق فيه كجريمة حرب.

تدعو منظمة العفو الدولية –

السلطات الإسرائيلية إلى:

  • وقف فوري للهجمات غير القانونية في غزة والالتزام بالقانون الدولي الإنساني؛ بما في ذلك من خلال ضمان اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنية إلى أدنى حد ممكن، والامتناع عن الهجمات المباشرة على المدنيين والأعيان المدنية والهجمات العشوائية وغير المتناسبة.
  • السماح بوصول غير مُعرقل للمساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة.
  • الرفع الفوري لحصارها غير القانوني على غزة، والذي يصل إلى حد العقاب الجماعي ويشكّل جريمة حرب، في مواجهة الدمار الحالي والضرورات الإنسانية.
  • التراجع عن أمر الإخلاء المروّع الذي أدى إلى تشريد أكثر من مليون شخص.
  • السماح للجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة بالوصول الفوري إلى غزة لإجراء التحقيقات، بما في ذلك جمع الأدلة والشهادات الحساسة.

وتدعو المجتمع الدولي، وخاصة حلفاء إسرائيل، بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى:

  • اتخاذ تدابير ملموسة لحماية السكان المدنيين في غزة من الهجمات غير القانونية.
  • فرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى جميع أطراف النزاع، نظرًا لارتكاب انتهاكات جسيمة ترقى إلى مستوى الجرائم بموجب القانون الدولي. ويجب على الدول الامتناع عن تزويد إسرائيل بالأسلحة والأغراض العسكرية، بما في ذلك التكنولوجيات الخاصة والمكونات والقطع، والمساعدة التكنولوجية، والتدريب، والمساعدات المالية أو غيرها. وعليها أيضًا أن تدعو الدول التي تزود الجماعات المسلحة الفلسطينية بالأسلحة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، إلى الامتناع عن القيام بذلك.
  • الامتناع عن أي تصريح أو إجراء من شأنه، ولو بشكل غير مباشر، إضفاء الشرعية على جرائم إسرائيل وانتهاكاتها في غزة.
  • الضغط على إسرائيل لرفع الحصار غير القانوني الذي تفرضه على قطاع غزة منذ 16 عامًا والذي يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي لسكان غزة، ويُعدّ جريمة حرب وركيزة أساسية لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي.
  • ضمان تلقي التحقيق الجاري للمحكمة الجنائية الدولية حول الوضع في فلسطين الدعم الكامل وجميع الموارد اللازمة.

وتدعو مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى:

الإسراع في التحقيقات الجارية حول الوضع في فلسطين، والنظر في الجرائم المزعومة التي ارتكبتها جميع الأطراف، بما في ذلك الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بجريمة الأبارتهايد ضد الفلسطينيين.

وتدعو حماس والجماعات المسلحة الأخرى إلى:

وضع حد للهجمات المتعمدة على المدنيين، وإطلاق الصواريخ العشوائية، واحتجاز الرهائن. ويجب عليها إطلاق سراح الرهائن المدنيين من دون قيد أو شرط وعلى الفور.