قالت منظمة العفو الدولية اليوم – في معرض دعوتها للسلطات إلى وضع حد لعمليات الإخلاء القسري – إن مخطط الهدم والإخلاء المستمر وواسع النطاق الذي يجري تنفيذه في إطار استراتيجية ولي العهد محمد بن سلمان لتحقيق رؤية 2030 والذي يؤثر على نصف مليون شخص فيما يزيد على 60 حياً في مدينة جدة الساحلية، ينتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان ويميز ضد المقيمين الأجانب.
وبحسب استعراض منظمة العفو الدولية لوثيقة صادرة عن أمانة جدة تتضمن جدولاً زمنياً لمخططات التطوير ويعود تاريخها إلى 2019 فإن عمليات الهدم تؤثر على أكثر من 558,000 من السكان. وقد بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 واستمرت على نحو متقطع منذ ذلك الحين.
وأعلنت صحيفة سعودي جازيت في 31 يناير/كانون الثاني 2022 برنامجاً للتعويض على المواطنين يستثني المقيمين الأجانب الذين يشكلون نسبة تصل إلى 47% من الذين جرى إخلاؤهم. وبحسب السلطات لن يتم تقدير قيمة التعويض إلا بعد هدم الأبنية.
وقالت ديانا سمعان، نائب مديرة المكتب الإقليمي بالنيابة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إنه “خلف الصورة التقدمية البراقة التي تحاول السعودية تقديمها للعالم، تكمن قصص بشعة من الإساءات والانتهاكات. ولا يمكن خديعة العالم باستعراض دعائي كاذب. فثمة وثيقة صادرة عن أمانة جدة تبين أن خطط المشروع قد أُنجزت قبل ثلاث سنوات تقريباً، ومع ذلك تقاعست السلطات السعودية عن الانخراط في عملية تشاور حقيقية مع السكان، وتقديم إشعار وافٍ، وإعلان قيمة التعويض، ودفعه للسكان قبل مباشرة عمليات الهدم”.
وتابعت قائلة: “تبني السلطات هذا المشروع بغض النظر عما يتكبده الناس الذين يعيشون في المنطقة. فلم تكتفِ بطرد السكان من منازلهم بقسوة وبدون إعطائهم وقتاً كافياً أو تعويضاً لإيجاد منزل بديل، بل إنها مارست التمييز أيضاً ضد مئات الآلاف من المقيمين الأجانب باستثنائهم من برنامج التعويض”.
لقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع أحد السكان، وثلاثة نشطاء، وثلاثة صحفيين مطلعين على الوضع على أرض الواقع، كان اثنان منهما في جدة بين فبراير/شباط 2022 ومايو/أيار 2022. كذلك تحققت المنظمة من صور الأقمار الصناعية التي بينت هدم ما لا يقل عن 20 حياً في مختلف أنحاء جدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 ومايو/أيار 2022، ومن 13 مقطع فيديو أظهر هدم المباني في عدة أحياء.
وفي أبريل/نيسان 2022، بعثت منظمة العفو الدولية برسالة إلى هيئة حقوق الإنسان السعودية أثارت فيها أسئلة وبواعث قلق حول عملية الهدم وشروط مراعاة الأصول القانونية في سياق عمليات الإخلاء، لكنها لم تتلق رداً.
خلف الصورة التقدمية البراقة التي تحاول السعودية تقديمها للعالم، تكمن قصص بشعة من الإساءات والانتهاكات.
ديانا سمعان، منظمة العفو الدولية
ووفق وثيقة رسمية علنية اطّلعت عليها منظمة العفو الدولية، أعطي السكان إشعاراً تراوحت مدته من 24 ساعة في أحد الأحياء إلى ما بين أسبوع واحد وستة أسابيع في أحياء أخرى. فعلى سبيل المثال قُطعت الكهرباء في حي غليل – أحد الأحياء المتأثرة – بعد يوم واحد من مشاهدة السكان كلمة “إخلاء” مطلية على أبنيتهم. وفي أحياء أخرى عُلقت الجداول الزمنية لعمليات الإخلاء والهدم على لوحات إعلانات أو ورد ذكرها في وسائل إعلامية موالية للدولة.
قال أحد السكان الأجانب الذي كان يعيش في أحد الأحياء طيلة ثلاث سنوات قبل أن يُرغم على الرحيل في فبراير/شباط 2022: “لم أعلم بعملية الإخلاء إلا من خلال الطلاء الذي رُش في 22 يناير/كانون الثاني على المبنى الذي أسكن فيه ومن ورقة عُلّقت في الدور الأرضي تفيد بأن علينا المغادرة قبل نهاية الشهر. ولم أرَ أو أتحدث قط إلى أي مسؤول في الأمانة أو الحكومة”.
وتماشياً مع المبادئ الأساسية والتوجيهية للأمم المتحدة بشأن عمليات الإخلاء والترحيل بدافع التنمية، ينبغي على السلطات أن تقدم التعويض وإعادة التوطين لجميع المتضررين بدون تمييز، وأن تضمن عدم تشريد أي شخص نتيجة الإخلاء، بمن فيهم المواطنون وغير المواطنين، وأولئك الذين لديهم وثائق ملكية أم لا، والمستأجرون. وإضافة إلى ذلك يجب عليها إشراك جميع الأشخاص المتأثرين في العملية، وتقديم إشعار مناسب لهم، وإرسال المعلومات مقدماً، وإعطاء كافة السكان المتأثرين وقتاً كافياً للاطلاع العلني على المخطط المقترح أو الاعتراض عليه، بما في ذلك وضع خطط لحماية الجماعات المهمشة.
الوصم والترهيب
أطلقت قنوات إعلامية موالية للدولة خطاباً كاسحًا يلصق وصمة عار بالأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتأثرة، زاعمةً أن أغلبية الناس في بعض المناطق لا يحملون وثائق قانونية وأن الأحياء “بيئة خصبة للأمراض، والجريمة، والمخدرات، والسرقات”؛ إذ إن سكانها “مخالفون لنظام الإقامة والعمل”.
أبلغ أحد نشطاء المجتمع المحلي منظمة العفو الدولية أن: “مجتمعات بأكملها يجري تدميرها. فماذا سيحصل للأشخاص الأكثر عرضة للتهميش وللانتهاكات؟ فكل من المهاجرين الذين يحملون أو لا يحملون وثائق قانونية لا يملكون ما يكفي من المال لاستئجار مساكن بديلة في مناطق أعلى تكلفة. ويوصم المهاجرون الذين لا يحملون وثائق قانونية بأنهم مجرمون. وليس هناك أي تعاطف معهم”.
ويعيش المجتمع في مناخ يسوده الخوف بشأن نقل المعلومات والإبلاغ عن الانتهاكات في عمليات الإخلاء. وبحسب أحد مصادر منظمة العفو الدولية الذي لديه اتصالات مباشرة مع السكان في جدة، يخشى الناس انتقام السلطات منهم إذا ما طالبوا بحقوقهم، ولذا يخافون التحدث علناً. وقال أحد السكان إنه يخشى مواجهة نفس مصير عبدالرحيم الحويطي الذي قتلته قوات الأمن في أبريل/نيسان 2020 بعد أن قاد المجتمع المحلي الذي انتظم ضد عمليات الاستيلاء على الأراضي المتعلقة بنيوم، وهو مشروع لبناء مدينة ضخمة هي قيد الإنشاء في منطقة تبوك بشمال غربي السعودية.
لجأ العديد من الأشخاص الذين يستخدمون أسماءً مستعارة إلى تويتر للاحتجاج على هدم أحيائهم ومنازلهم، علاوة على الصعوبات التي يواجهونها في العثور على مساكن بديلة يستطيعون تحمُّل تكلفة إيجارها. كذلك يحتجون على ارتفاع تكلفة المعيشة والسكن بالنسبة للذين جرى إخلاؤهم، والتأخر في دفع التعويضات، وزيادة بدلات الإيجار، وتكلفة خدمات الانتقال إلى منازل أخرى في جدة.
خلفية
أطلقت السعودية عام 2017 رؤية 2030، وهي مخطط لتنويع الاقتصاد وخلق مزيد من فرص العمل للنساء والشبان.
وقد دشن ولي عهد السعودية مشروع تطوير وسط مدينة جدة في ديسمبر/كانون الأول 2021، بتكلفة قدرها 75 مليار ريال سعودي (قرابة 20 مليار دولار أمريكي) لتطوير 5,7 مليون متر مربع من الأراضي. وبدأت أولى عمليات الهدم المرتبطة بهذا المشروع في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أعقبتها جولة أخرى في يناير/كانون الثاني 2022 عندما عادت مقاطع الفيديو المتعلقة بالهدم إلى الواجهة على مواقع التواصل الاجتماعي.