قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنَّ استجابة السلطات التونسية لوباء كوفيد-19، ولا سيما إدارتها لبرنامج توزيع اللقاحات على المستوى الوطني، قد كشفت عن عدم المساواة الراسخة في نظام الرعاية الصحية في البلاد.
مع تحذير منظمة الصحة العالمية من أن السلالات الجديدة لفيروس كوفيد-19 قد تطلق العنان لموجة أخرى من العدوى، تلقى 54 بالمئة فقط من سكان تونس جرعتين بينما تلقى 10 بالمئة فقط الجرعة الثالثة، علمًا أنّ ما يصل إلى 60 بالمئة من هؤلاء يعيشون في المناطق الحضرية، بينما انخفضت معدلات التلقيح للجرعة الثالثة في العديد من المناطق الريفية إلى 4,5 بالمئة.
يتعين على مسؤولي الصحة التونسيين التأكد من أن كل فرد يمكنه التمتع بحقه في الصحة بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو وضعه الاجتماعي والاقتصادي
آمنة القلالي , منظمة العفو الدولية
في تقريرها الجديد، لقاحات كوفيد-19 والحصول على الرعاية الصحية في أرياف تونس، تُبرز منظمة العفو الدولية التفاوتات الملحوظة في توفر التلقيح بين المناطق الحضرية على طول الساحل والمناطق الريفية في البلاد. لتحديد العوائق البنيوية التي تمنع الناس في المناطق المهمشة من الوصول إلى اللقاحات بشكل عادل، أجرت منظمة العفو الدولية بحثًا ميدانيًا في غار الدماء، وهي منطقة محرومة تقع في ناحية جبلية بجانب الحدود التونسية-الجزائرية.
وقالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “في اليوم الأول من أسبوع التحصين العالمي، نُذكّر السلطات التونسية بأهمية منح فرص متساوية للوصول إلى اللقاحات وإعطاء الأولوية للفئات الأكثر تهميشًا. لا يجوز أن نرى في تونس اليوم، في زمن وباء كوفيد-19، تناسيًا للمناطق الريفية مرة أخرى، بحيث تتمتع بأقلّ من نصف اللقاحات الموجودة في المناطق الحضرية”.
“يتعين على مسؤولي الصحة التونسيين التأكد من أن كل فرد يمكنه التمتع بحقه في الصحة بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو وضعه الاجتماعي والاقتصادي. وينبغي عليهم العمل على معالجة هذه التفاوتات الصارخة على وجه السرعة وإعطاء الأولوية لاستراتيجيات تحسين البنى التحتية الصحية في المناطق الريفية، لا سيما لأنّ السلالات الجديدة لفيروس كوفيد-19 قد تؤدي إلى موجة جديدة من العدوى والمزيد من الخسائر في الأرواح”.
منذ ديسمبر/كانون الأول 2020، سجلت تونس رسميًا ما لا يقل عن مليون إصابة بفيروس كوفيد-19، إلى جانب 28509 حالة وفاة. ووفقًا لوزارة الصحة، فإنه بالرغم من تلقي أكثر من 6.3 مليون فرد جرعتين من لقاح كوفيد-19، فإن 1.18 مليون فقط تلقوا الجرعة الثالثة المعززة.
تاريخيًا، ثبت أنَّ نظام الرعاية الصحية في تونس هش وموزع بشكل غير متكافئ، بالنظر إلى محدودية الوصول إلى الخدمات في المناطق الريفية في كثير من الأحيان. كما تعاني المناطق الريفية من ارتفاع غير متناسب في مستويات الفقر والبطالة. ينعكس هذا التفاوت أيضًا في حملة التلقيح الوطنية في تونس؛ حيث تُظهر البيانات الرسمية المنشورة منذ جوان/حزيران 2021 تباينات كبيرة في توزيع اللقاحات بين المحافظات الريفية والحضرية.
يُظهر تحليل منظمة العفو الدولية لبيانات التلقيح الوطنية أنه اعتبارًا من 17 أفريل/نيسان 2022، كان أقل من 40 بالمئة من السكان المحليين قد تلقوا اللقاحات الكاملة في محافظتي تطاوين والتي يغلب عليها الطابع الريفي (38.20 بالمئة) والقيروان (37.79 بالمئة)، بينما كان أكثر من 60 بالمئة من السكان محصنين بالكامل في بعض المحافظات الحضرية والساحلية مثل تونس (65.25 بالمئة) وبن عروس (62.57 بالمئة). وكانت التفاوتات في اللقاحات بين المناطق أكثر بروزاً على مستوى المحافظات. وتجاوزت المعدلات في العديد من المناطق الحضرية 90 بالمئة في حين تتراجع المعدلات في المناطق الريفية والداخلية بشكل ملحوظ إلى 20 بالمئة، مثل بلدة بني خداش (20.52 بالمئة) وبلطة بوعوان (15.64 بالمئة).
مع بدء وزارة الصحة في توفير الجرعة المعززة الثالثة للقاح فيروس كوفيد-19 في سبتمبر/أيلول 2021، تلقى حوالي 10 بالمئة من السكان (1.18 مليون شخص) جرعة اللقاح الثالثة حتى الآن. في غار الدماء، تلقى حوالي 4.54 بالمئة من السكان المحليين الجرعة المعززة الثالثة بينما تلقت البلدات الأخرى في المناطق الحضرية ما يصل إلى 57 بالمئة.
ووجدت منظمة العفو الدولية أنَّ استراتيجية التلقيح في تونس أعطت الأولوية لمجموعات معينة بناءً على سنهم أو مجال عملهم، في حين لم يتم أخذ العوامل الاجتماعية والاقتصادية والافتقار التاريخي للوصول إلى الرعاية الصحية في المناطق الريفية بعين الاعتبار.
حرمان سكان غار الدماء من الوصول العادل إلى اللقاحات
في غار الدماء، راجعت منظمة العفو الدولية المراسيم والوثائق والبيانات الرسمية المتعلقة بحملة التلقيح الوطنية، وأجرت مقابلات مع 33 شخصًا من سكان الريف، وثلاثة متخصصين محليين في مجال الرعاية الصحية، وأربعة ممثلين عن منظمات المجتمع المدني المحلية.
حددت المنظمة ما لا يقل عن أربعة عوائق بنيوية منعت سكان غار الدماء، ومَن هم في وضع مماثل، من الحصول على اللقاحات. نتيجة لذلك، تلقى 45.88 بالمئة فقط من السكان المحليين اللقاح بشكل كامل، مقارنة بأكثر من 54 بالمئة على الصعيد الوطني، مع اقتراب بعض المناطق الحضرية من نسبة 100 بالمئة.
الوصول إلى مرافق الصحة العامة ومراكز التلقيح محدود لأن وسائل النقل العام الميسورة التكلفة والموثوقة إلى هذه المرافق لا تزال بعيدة عن متناول العديد من السكان. في بعض الحالات، يحتاج السكان المحليون إلى السفر لأميال عديدة بسبب قلّة المرافق المحلية. في منطقة جندوبة، حيث تقع غار الدماء، يوجد سبعة أطباء فقط لكل 10000 شخص، مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 13.2 طبيبًا.
هناك أيضًا نقص في الوصول إلى المعلومات حول لقاحات فيروس كوفيد-19 حيث ركزت السلطات حملاتها الإعلامية على مدينة تونس والمدن الكبرى الأخرى، مع حرمان مناطق مثل غار الدماء. وأخفقت السلطات بوضع استراتيجية تواصل لا تحتاج إلى اتصال بالإنترنت، والتي كان من الممكن أن تستهدف بشكل فعال الجماهير الريفية.
ثالثًا، مثّل الافتقار إلى الوصول إلى التعليم والتكنولوجيا عقبة كبيرة أمام التسجيل للوصول إلى اللقاح في المناطق الريفية، حيث يتم مشاركة المعلومات المتعلقة بالتسجيل بشكل أساسي عبر الإنترنت. ففي غار الدماء، تسجّل 21 بالمئة فقط من السكان الذين تمت مقابلتهم على “إيفكس”، وهي منصة على الإنترنت حيث يمكن للأشخاص التسجيل للحصول على مواعيد لتلقي جرعات اللقاح.
وقالت امرأة تبلغ من العمر 54 عامًا من منطقة ميسوا، غار الدماء، لمنظمة العفو الدولية: “سمعت عبر الراديو أنه يمكن للجميع التسجيل للحصول على لقاح باستخدام الهاتف المحمول أو الكمبيوتر. لدي هاتف محمول، لكن ليس لدي أي فكرة عن كيفية التسجيل. هذا أمر معقد بالنسبة لي لأنني لم أذهب إلى المدرسة قطّ”.
أخيرًا، تبنت السلطات نهجًا غير تشاركي وغير شامل للمجتمعات الريفية عند التخطيط لحملة التلقيح الوطنية، مما أدى إلى التشكيك في اللقاحات. وظلت حملة التلقيح الوطنية مركزية للغاية، حيث أخفقت السلطات في مراعاة احتياجات السكان في المناطق الريفية أو تزويدهم بالموارد الكافية ليتشجعوا على تلقي اللقاح.
وختمت آمنة القلالي: “توضح لنا دراسة الحالة الخاصة بغار الدماء أنَّ السلطات التونسية يمكنها اتخاذ عدد من الإجراءات الفورية لعكس حالة الإهمال التاريخي وإعطاء الأولوية لتلقيح سكان الريف من خلال الاستثمار في المراكز الصحية المهملة، وبناء شراكات فعالة مع قادة المجتمع والمنظمات المحلية، وزيادة عدد مراكز التلقيح في المناطق الريفية.